طرح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خطة مكونة من 20 بندًا لما أسماه "خطة السلام في غزة"، لكن الكاتب محمد حسن يراها أقرب إلى خطة لإدارة الفلسطينيين أكثر من كونها خطة سلام حقيقية. فالخطة توكل مهمة إعادة إعمار القطاع إلى "مجلس سلام" تقوده شخصيات غربية ورجال أعمال أجانب، دون مشاركة حقيقية لأبناء غزة. أخطر ما في الخطة غياب الإدانة لأي من جرائم الحرب الإسرائيلية، إذ لا تذكر سوى هجوم حماس في 7 أكتوبر كأنه السبب الوحيد للأزمة، متجاهلة عقودًا من الاحتلال والحصار والقصف. ومع سقوط أكثر من 65 ألف فلسطيني ودمار أحياء بأكملها، تتجاهل الخطة هذه الكارثة وتكتفي بحديث إنشائي عن "إعادة الإعمار" و"الازدهار الاقتصادي".
بحسب موقع ميدل إيست مونيتور، تستبعد الخطة الفلسطينيين تمامًا من عملية صنع القرار، إذ تنص على أن لجنة أجنبية ومجلسًا من المستثمرين سيتولون الإشراف على غزة. ويقول أحد الخبراء: "لا يمكنك أن تصنع سلامًا مع الفلسطينيين من دون الفلسطينيين أنفسهم".
المجلس المقترح الذي سيضم شخصيات مثل توني بلير لن يضم سوى فلسطيني واحد من بين سبعة إلى عشرة أعضاء، في حين يُلقى اللوم بالكامل على حماس باعتبارها الطرف الوحيد المسؤول. تشترط الخطة "نزع سلاح غزة وتحويلها إلى منطقة خالية من الإرهاب"، بينما تتيح لإسرائيل إبقاء قواتها على حدود القطاع إلى أجل غير مسمى.
تتجنب الوثيقة ذكر كلمة "إدانة" لأي من الجرائم الإسرائيلية، فلا حديث عن القتلى أو المدارس المهدمة أو أزمة المياه. وبدلًا من معالجة الجذور، تَعِد الخطة بإعادة بناء البنية التحتية بعد إعلان غزة "منطقة سلام"، وكأن المعاناة يمكن تأجيلها حتى يرضى المحتل. وفي الوقت ذاته، تصف سكان غزة بأنهم "ما بعد حماس"، متجاهلة أن المشكلة أعمق من ذلك، وأن الاقتراح ما هو إلا غطاء لاستمرار التوسع الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.
في المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه ترامب خطته، تباهى بأن غزة ستُدار من قِبل "تكنوقراطيين فلسطينيين" تختارهم هيئة دولية، أي مجلس من الرأسماليين الغربيين والقادة السابقين. أحد المسودات المسرّبة تضمّنت أسماء مليارديرات أمريكيين ومصريين وحاخامًا أرثوذكسيًا ضمن من سيتولون إدارة القطاع. وفي نهاية المخطط، يُذكر أن السلطة الفلسطينية ستكون في أدنى درجات التسلسل الإداري، في حين يُعيّن "مدير تنفيذي" لغزة باختيار أجنبي — مشهد يذكّر بالانتداب الاستعماري.
أما الدور المثير للجدل لتوني بلير، فقد أثار سخرية واسعة، إذ يرى منتقدون أن من تسبب في دمار العراق لا يمكن أن يقود "إعمار" غزة. وزير المالية اليوناني السابق يانيس فاروفاكيس وصف الفكرة بأنها "مهزلة ثمينة"، بينما كتب المؤرخ وليم دالريمبل متسائلًا: "ماذا يمكن أن يسوء بعد سجل بلير الرائع في الشرق الأوسط؟".
هذا النمط الاستعماري ليس جديدًا، فقد تكرّر في التاريخ: من اتفاق سايكس بيكو إلى الانتداب البريطاني ثم مؤتمرات أوسلو الممولة غربيًا. في كل مرة، كان الفلسطينيون آخر من يُستشار. واليوم، تتكرر اللعبة ذاتها — قصف واحتلال يتبعه "مشروع سلام" خارجي لا يعترف بالظلم البنيوي الواقع على الأرض. وكما كتب إدوارد سعيد ذات يوم: "هناك دائمًا مثقفون يغنون أناشيد الإمبراطوريات الخيّرة، وكأن عيوننا تكذب حين ترى الدمار والموت الذي تجلبه تلك المهمات الحضارية".
ترى التجارب التاريخية أن أي تسوية مفروضة من الخارج مصيرها الفشل. فالحروب الأهلية لا تنتهي إلا حين يجلس أبناء البلد أنفسهم إلى الطاولة. أما في غزة، فالمطلوب إعمار من دون وكالة، وسلام من دون حرية. وحتى عندما يلمّح ترامب إلى "دولة فلسطينية مستقبلًا"، يضيف شرطًا مبهمًا: "حين تتوافر الظروف"، وهي عبارة استخدمتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة لتأجيل أي اعتراف فعلي بالسيادة الفلسطينية.
خاتمة القول: إن خطة ترامب لا تمنح الفلسطينيين سوى دور المتفرج في مسرح إعادة إعمار بلاده، بينما يواصل الاحتلال رسم حدودهم وحياتهم. السلام الحقيقي يبدأ حين يُعاد الاعتبار للحقائق على الأرض، ويُسمع صوت غزة في كل بند من بنود الاتفاق. أما خطة بلا عدالة وبلا وكالة فلسطينية، فلا يمكن أن تُسمى سلامًا، بل إدارة أبدية للأزمة.